هل الاسلام دين سلام

هل الإسلام دين سلام أم حرب؟
وهل السيف وسيلته الوحيدة أم هناك وسائل أخرى تقوم على الإقناع والحب؟
سؤالين بنفس المعنى. هل الإسلام دين سلام أم دين حرب؟

السلام والإسلام مشتقتان من كلمة واحدة
السلام اسم من أسماء الله الحسنى –
يتقربون إلى الله بهذا الاسم فى الصلاة وفى الدعاء– نسمى به أولادنا
أول مانستقبل به الحياة الدنوية بعد التفرغ من لقاء الله – السلام - واستقبال الحياة الدنيا
وإذا كان السلام على الأرض هو أغلى ما يحرص عليه إنسان ، فإن السلام فى الآخرة له وزن كبير عند الله وعند المسلم ... لذلك أطلق الله – جل وعلا – على الجنة “دار السلام”
وكذلك تحية الله لأهل الجنة “سلام” وكذلك تستقبل الملائكة أهل الجنة الفائزين “بالسلام”

فإذا كان الإسلام ضد الحرب ، فلماذا حارب النبى محمد؟
نعم الإسلام ضد الحرب .. ولكن حين تفرض عليك هذه الحرب فلا مناص من المواجهة. ولا مفر من القضاء على قوى الطغيان والشر، وهذا مافعله عيسى عليه السلام أيضاً فعلى الرغم من أنه قال: “ لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضاً. 40وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضاً. 41وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلاً وَاحِداً فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ. 42مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْتَرِضَ مِنْكَ فَلاَ تَرُدَّهُ.

43… أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ” (متى 5: 39 – 44)
فعلى الرغم من هذا السلام الذى يعلمه أتباعه إلا أنه عندما أحس بتآمر اليهود وقوى الشر عليه قال: “لَكِنِ الآنَ مَنْ لَهُ كِيسٌ فَلْيَأْخُذْهُ وَمِزْوَدٌ كَذَلِكَ. وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَلْيَبِعْ ثَوْبَهُ وَيَشْتَرِ سَيْفاً.” (لوقا 22: 36)

هذا كان تصرفه وهو لم تستمر حياته كنبى غير ثلاث سنوات. فما بالكم لو كانت استمرت فترة نبوته أكثر من ذلك؟

كان من المؤكد أنه سيخوض حروب ضارية للقضاء على قوى الشر فى هذا العالم كما فعل أنبياء بنى إسرائيل من قبله. لأن الفطرة السوية لأى إنسان تكره إراقة الدماء … ولكن الأسوياء من لدن آدم إلى اليوم قلة … فالخير والشر وجِدا مع أول إنسان عرفته هذه الأرض … ألم يقتل قابيل أخاه من أجل امرأة؟ ومتى؟ حين كان عدد أفراد البشرية فى مهدها الأول لا يزيد عن عدد أفراد أسرة واحدة؟
وسيظل الصراع بين الخير والشر ما بقيت الأرض.

لقد سجل المؤرخ والفيلسوف الأمريكى “ول ديورانت” عدد سنوات الحرب التى خاضتها البشرية فوق هذه الأرض فوجدها 3421 عاماً. بينما لم تزد سنوات السلام والهدنة عن 268 عاماً.

أرأيتم إلى أى مدى بلغت قوة الشر؟ إنها لكارثة أن تمضى الحياة على هذا النحو ..

لماذا حارب النبى محمد؟
ويجيب عن هذا السؤال رجل مسيحى مؤمن هو “توماس كارليل”:
كانت نية هذا النبى قبل عام 622 م أن ينشر دينه بالحكمة والموعظة الحسنة وقد بذل فى سبيل ذلك كل جهد ، ولكنه وجد الظالمين لم يكتفوا برفض رسالته ودعوته ، بل عمدوا إلى إسكاته بشتى الطرق من تهديد ووعيد واضطهاد حتى لا ينشر دعوته.

وهذا ما دفعه إلى الدفاع عن نفسه والدفاع عن دعوته وكأن لسان حاله يقول: أما وقد أبت قريش إلا الحرب فلتنظر إذن أى قوم نحن ...
واستطرد قائلاً يرد على القائلين بأن هذا النبى نشر الإسلام بالسيف فيقول: “أرى أن الحق ينشر نفسه بأية طريقة حسبما تقتضيه الحال ... ألم تروا أن النصرانية كانت لا تأنف أن تستخدم السيف أحياناً ، وحسبكم ما فعله شارلمان بقبائل الساكسون ... أنا لا أحفل أكان انتشار الحق بالسيف أم باللسان أم بأية طريقة أخرى ... فلندع الحقائق تنشر سلطانها بالخطابة أو بالصحافة أو بالنار ... لندعها تكافح وتجاهد بأيديها وأرجلها وأظافرها فإنها لن تنهزم أبداً ... ولن يُهزم منها إلا ما يستحق الفناء ... ”.

ولنسأل السؤال بصورة أخرى: لقد حارب محمد أعداءه وقاوم من حاربوه وأعلنوا عليه الحرب. ولكن لماذا حارب المسلمون خارج ديارهم فى بلاد أخرى ، فقد اشتبكوا مع الفرس والروم فى معارك كبرى .. أليس ذلك دليل على اتهام الإسلام بالميل إلى العنف ، والاعتماد فى دعوته على السيف؟

نفهم من هذا السؤال أن السائل لا يفهم أن دعوة الإسلام دعوة عالمية منذ يومها الأول .. ولم تكن كدعوة الأنبياء السابقين أو دعوة عيسى عليهم جميعا السلام. فقد أمر عيسى عليه السلام حوارييه قائلاً:
“لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ”. (متى 15 : 24)

“إِلَى طَرِيقِ أُمَمٍ لاَ تَمْضُوا وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لاَ تَدْخُلُوا. 6بَلِ اذْهَبُوا بِالْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ.” (متى 10 : 5 – 6)
24ثُمَّ قَامَ مِنْ هُنَاكَ وَمَضَى إِلَى تُخُومِ صُورَ وَصَيْدَاءَ وَدَخَلَ بَيْتاً وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ لاَ يَعْلَمَ أَحَدٌ فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَخْتَفِيَ 25لأَنَّ امْرَأَةً كَانَ بِابْنَتِهَا رُوحٌ نَجِسٌ سَمِعَتْ بِهِ فَأَتَتْ وَخَرَّتْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ. 26وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ أُمَمِيَّةً وَفِي جِنْسِهَا فِينِيقِيَّةً سُورِيَّةً - فَسَأَلَتْهُ أَنْ يُخْرِجَ الشَّيْطَانَ مِنِ ابْنَتِهَا. 27وَأَمَّا يَسُوعُ فَقَالَ لَهَا: «دَعِي الْبَنِينَ أَوَّلاً يَشْبَعُونَ لأَنَّهُ لَيْسَ حَسَناً أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَبِ». (مرقس 7 : 24 – 27)

أما الإسلام فدعوته عالمية، فقد قال الله تعالى:)وما أرسلناك إلا كافة بشيراً ونذيراً( (س سبأ 28) ، وكذلك:) وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ( (س الأنبياء 107)

فالقول بخروج الروم أو الفرس أو غيرهم من نطاق هذه الدعوة يتعارض مع الحكمة الإلاهية فى إرسال نبيه ولا يتفق كذلك مع المعنى الواسع لرحمة الله التى تشمل جميع المخلوقات.

وهنا يطرح نفسه سؤال آخر: ألم يكن من الأليق عرض هذه الدعوة بالتفاهم بدلاً من اللجوء إلى القتال والحرب؟

هذا ما حدث بالفعل ، فقد أرسل الرسول r دعاة على أعلى درجة من الفهم وانضج والإلتزام بأقصى درجات الصدق والأمانة فى النقل ..
كان من أهم هؤلاء السفراء “عبد الله بن حذافة السهمى” سفير النبى إلى كسرى ملك الفرس، لقد كتب النبى إلى كسرى يقول له : “من محمد بن رسول الله إلى كسرى عظيم الفرس ... سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله ، وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله . وأدعوك بدعاية الله عز وجل. فإنى رسول الله إلى الناس كلهم لأنذر

من كان حياً ويحق القول على الكافرين..أسلم. تسلم. فإن توليت فإنما عليك إثم المجوس..”
لقد جُنَّ جنون كسرى بعد قراءة هذه الرسالة. ثم مزقها .. وكتب إلى أمير اليمن التى كانت خاضعة له آنذاك قائلاً : “بلغنى أن رجلاً من قريش خرج بمكة يزعم أنه نبى .. فسر إليه فاستتبه فإن تاب وإلا فابعث إلى برأسه .. ثم ختم رسالته بقوله: أيكتب إلى هذا وهو عبدى”

وبالتالى أرسل أمير اليمن فارسين إلى النبى ومعهما كتاب كسرى فقدما إليه وقالا له: شاهنشاه بعث إلى الملك بازان يأمره أن يبعث إليك من يأتى بك .. فإن أبيت .. هلكت .. وأهلكت قومك .. وخسرت بلادك ..

إذن لقد أعلن ملك الفرس الحرب؟ وقد تعلم أى قوم نحن!!
أما بانسبة لقيصر فقد أرسل إليه الرسول r “دحية الكلبى” وقد كان أحكم من كسرى ملك الفرس لأنه كان عنده علم من الكتاب من النبوءات الكثيرة التى وردت فى التوراة والإنجيل تبشر بقرب ظهور النبى محمد عليه الصلاة والسلام.

تحدثنا الروايات إن قيصر عندما تسلم رسالة النبى صلى الله عليه وسلم بحث عن رجال من أهل مكة ليسألهم عن صاحب هذه الرسالة ، فلم يجد غير أبى سفيان – العدو الأكبر للنبى فى هذا الوقت – وجماعة معه.

فأمر قيصر أن يدنوا منه أكثرهم نسبا للرسول (وهو أبو سفيان) وأمر أن يجلس أصحاب أبى سفيان وراء ظهره. وقال لترجمانه: قل لأصحابه: إنى سائل هذا عن هذا الرجل (يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم) فإن كذبن فكذبوه ..

واضطر أبو سفيان يومئذ لقول أن يصدقه حياءً أن يؤثر عنه الكذب – كما قال هو .. وكان رد قيصر حين انتهى من كل ما أراد أن يعرفه عن الرسول r أن قال :
قلت لى: أنه ذو نسب، وكذلك الرسل تبعث فى أنساب قومها.

وقلت لى: أن أحداً قبله لم يزعم ما قاله فلوكان أحد قال هذا القول قبله لقلت: رجل يتأسى بقول قيل قبله.

قلت لى: إنكم لم تتهموه مرة بالكذب. فعرفت أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله.

قلت لى: لم يكن من آبائه ملك أو سلطان. وإلا لقلت إنه رجل يطلب ملك أبيه.
قلت لى: إن ضعفاءَكم هم الذين اتبعوه وكذلك الضعفاء هم أتباع الرسل.
قلت لى: إن عدد أتباعه يزيدون. أقول لكم وكذلك الإيمان حتى يتم .
قلت لى: إنه لا يرتد أحد اتبعه ويرجع إلى دينه القديم. أقول لك وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب.
قلت لى: أن حربه وحربكم تكون دولاً. أقول لكم وكذلك الرسل تُبتلى ، ثم تكون لها العاقبة.
قلت لى: أنه يأمركم أن تعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً، وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم، ويأمركم بالصدق والوفاء بالعهد وأداء الأمانة، وهذه صفات نبى قد كنت

أعلم أنه خارج.
ولكن لم أظن أنه منكم .. وإن يكن حقاً ما قلت فيوشك هذا الرجل أن يملك موضع قدمى هاتين ..
والله لو أعلم أنى أخلص إليه لتجشمت لقاؤه .. ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر فقرىء ، فإذا به:
بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى .. أما بعد ..
فإنى أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين. فإن توليت فعليك إثم الأريسيين
(يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) (آل عمران: 64)

لقد دعا قيصر عظماء مملكته وبطارقته للاجيماع به، ثم أمر بأبواب القصر الذى اجتمعوا فيه فغلقت أبوابه ثم وقف بينهم وقال:
يامعشر الروم .. هل لكم فى الفلاح والرشد، وأن يثبت ملككم ..وتبايعون هذا النبى؟

فنفروا وبادروا إلى الأبوب، فوجدوها قد غلِّقت. فلما رأى هرقل نفرتهم وأيس من الإيمان قال: ردوهم عنى وقال: إنى قلت مقالتى آنفاً أختبر بها شدتكم على دينكم. فقد رأيت. فسجدوا له ورضوا عنه.
لقد أصرت حاشية الملك من الوزراء والبطارقة على الرفض وإعلان الحرب، فبدأوا يحرضون القبائل العربية فى العراق والشام على حرب المسلمين والنبى وعلم المسلمون بإصرار الروم على الحرب، فبدءوا يستعدون لهذا اليوم. غير أن الفتن الداخلية شغلت كسرى وهرقل عن الهجوم لفترة من الوقت.

يقول كتاب العلامة جيبون فى كتابه: (قيام وسقوط الامبراطورية الرومانية): كان الواقع فى هذه الامبراطوريات أليماً ومراً .. لم يكن هناك أمل فى أى شىء ولم تكن هناك عدالة أو مساواة .. كانت الحرب بين المسيحيين واليهود سجالاً ، والمذابح بين الطائفتين فضيحة وعاراً كان الظلم والتفرقة هى السمة المميزة لنظام الحكم، والقائمين على هذا الحكم. لقد تحول الملوك إلى آلهة. كما تحول رجال الدين إلى عصابات مرتزقة وإلى سفاحين وقتلة. كما تحول الفسق والدعارة إلى طقوس مقدسة. حتى أن رجال الدين قد نصَّبوا الغانية “ديبورا” امبراطورة.

وقد بلغ الانحلال الاجتماعى غايته فى الدولة الرومانية والشرقية ، وازدادت الأتاوات على كثرة مصائب الرعية، وتضاعفت الضرائب، وذابت أسس الفضيلة، وانهارت دعائم الأخلاق، حتى صار الناس يفضلون العزوبة على الحياة الزوجية ليقضوا مآربهم فى حرية، وكان العدل يباع ويساوم مثل السلع ، حتى أصبح أهل البلاد يتذمرون من الحكومات، ويمقتونها مقتاً شديداً، وقد حدث لذلك اضطرابات عظيمة وثورات ، فقد هلك فى الضطراب الذى وقع عام 532 م 30000 ثلاثون ألف شخص فى العاصمة.

أمثلة لذلك:
أظهر قسطنطين خُلُقاً وحشيةً جداً ، وهذا يتضح على سبيل المثال من سماحه للأهل ببيع أولادهم على الأقل في الأوقات الحرجة.
أما من يقتل أباه فيحبس في جوال مليء بالثعابين تتم خياطــته

ثم إنه اقترف في عام 326 - أي بعد عام واحد من إنعقاد مجمع نيقية - سلسلة من جرائم قتل أقرباءه ، فلم يكتف بقتل حماه ماكسيميان وزوج أخته باسيانوس بل قتل أيضاً أبناءه لوســيانوس وكريسبوس ، حتى زوجته فاوستا لم تسلم من يديه فقد قام بإغراقها في ميــاه تغلي

ولك أن تعرف أن قسطنطين قد أقسم أن يبقى ماكسنتيوس حياً وبعد انتصاره عليه أمر قسطنطين بخنقه هو وأتباعه المقربين وكان ذلك قبل إنعقاد المجمع بســنة .

ب ) أمّا تيودوســيوس الأول ( الأكبر ) لم يكن متســامحاً إلى أكبر درجة ، إلا أنه أصبح بعد ذلك النموذج الحي لجوســتنيان الأكــبر أو قــل أيضاً لمحاكم التفتيــش ، ويتضــح هذا من أمره الصــريح الحازم لكل رعاياه بإعتناق عقائد مجمع نيقية. فقد حرم كل الأديان الأخرى وهدد أن التمسك بتعاليم أخرى سيؤدى إلى عقوبات صارمة ، أرحمها عقوبة الموت ، فكان يعاقب أنصار ماني فقط من أجل أنهم أنصاره.

وقد اســتعمل الســلاح في تنفــيذ هذا الأمر الذي يقضي بعدم ممارسة أية طقوس أخرى ( شتاين 305 ) ، وتحكي كتب التاريخ عنه إجمالياً أنه كان متوحشاً [ لا يرحم ] مع أصحاب العقائد الأخرى ( إنظر سيكلوم الثاني صفحة 166 ) ، ويتضح كذلك بعده عن الروح القدس في تعذيبه لفقراء الشعب عند جمعه للضرائب حيث فرض على الشعب أعباء لا يمكن تحملها وحصل عليها بأشد الوسائل وحشية وتعسفاً ، ومن أكثر الصور تعبيراً عن قسوة طباع هذا الحاكم على المسيحيين هو إصداره لقرارات يمنع فيها إيواء الفقراء المشردين ، وفرض على ذلك عقوبة صارمة لمن يقوم بإخفائهم من تعذيب جامعي الضرائب(شتاين صفحة 303)!

ويقول شتاين ( صفحة 297 ) إن تيودوسيوس الكبير إقترف مظالم كثيرة ، فقد قام بعمل مذبحة دموية مريعة في سَــــالونيك عام 390 ، حيث قتل فيها 7000 فرد من المدينة دفعة واحدة .

حدد جوستنيان الأول بقوانينه ( ! ) ليس فقط قوعد العقيدة [ المســيحية ] التي تبدو لنا اليوم مســتحيلة تماماً ولكنه اشتهر في المرتبة الأولى أيضاً بقوانين الرِدّة التي أراد بها أن يقتلع كل ما هو غير كاثوليكي ، حيث حدد في أحد هذه القوانين وضع المرتد ، فعلى سبيل المثال :
يحرم المرتدون من كل الحقوق السياسية ، ولا يسمح لهم بها حتى في منازلهم ، فلم يكن لهم بصورة عملية أية حقوق ، هذا إذا لم يحكم عليهم بالإعدام ، كذلك يحرم المرتدون من حق الوراثة ولا يسمح لهم أيضاً بوراثة شيء خُوِّلَ لهم ، وبالطبع لم يضطهد المرتدون فقط بل أيضاً كل من يدين بديانة مخالفة ، لذلك حدث إضطهاد كبير لليهود في عصره فقد أجبر جماعات من اليهود على التعميد كما اتخذ إجراءات تعسفية ضد معتنقي الديانة الرومانية واليونانية وأيضاً ضد الفلاسفة الملحدين ، كما كان هناك عدد غفير من الموظفين الذين لم يكن لديهم إلا التجسس وتتبع مخالفي عقيدة القيصر وإذا ما تم إصطيادهم فيتم تسليمهم للكنيسة ليتعلموا المباديء المسيحية ثم يعمدوا ، وإذا مارفضوا ذلك يتم طردهم من كل طائفة أي يتم حرمانهم من حمياة القانون ( راجع عن الكل ألفيزاتوس ، Parism ) .
ولم يكن اليهود أرحم منهم فقد بلغ الخلاف بينهما أشده وتجدد فى أوائل القرن السابع ففى السنة الأخيرة من حكم فوكاس 610 م أوقع اليهود بالمسيحيين فى أنطاكية، فأرسل الامبراطور قائده أبنوسوس ليقضى على ثورتهم، فذهب وأنفذ عمله بقسوة نادرة، فقتل الناس جميعاً، قتلاً بالسيف وشنقاً وإغراقاً وتعذيباً ورمياً للوحوش الكاسرة.

كذلك لم يكن اليهود أقل ضراوة وشراسة من النصارى. فقد قال المقريزى فى كتاب الخطط: “وفى أيام فوقا ملك الروم، بعث كسرى ملك فارس جيوشه إلى بلاد الشام ومصر فخربوا كنائس القدس وفلسطين وعامة بلاد الشام، وقتلوا النصارى بأجمعهم وأتوا إلى مصر فى طلبهم، وقتلوا منهم أمة كبيرة، وسبوا منهم سبياً لا حصر لهم، وساعدهم اليهود فى محاربة النصارى وتخريب كنائسهم. كذلك أحرقوا كنائسهم وخربوا لهم كنيستين بالقدس، وأحرقوا أماكنهم، وأسروا بطرك القدس وكثيراً من أصحابه.

وبعد فتح الفرس لمصر ثار اليهود فى أثناء ذلك بمدينة صور وكانت بينهم وبين النصارى حرب اجتمع فيها نحو 20000 وهدموا كنائس النصارى خارج صور، فقوى النصارى عليهم فانهزم اليهود هزيمة قبيحة وقتل منهم كثير.

وكان هرقل قد ملك فى هذا الوقت وانتصر على كسرى ثم صار قسطنطينية ليمهد ممالك الشام ومصر، فخرج إليه اليهود من طبرية وغيرها، وقدموا له الهدايا الجليلة وطلبوا منه أن يؤمنهم ويحلف لهم على ذلك فأمنهم وحلف لهم. وعندما دخل القدس تلقاه النصارى بالأناجيل والصلبان والبخور والشموع المشتعلة، فوجد المدينة وكنائسها خراباً، فساءه ذلك وأفتاه رهبانهم وبطاركتهم وقسيسوهم بأنه لا حرج عليه فى قتله وأنهم يقومون عنه بكفارة يمينه بأن يلتزموا ويلزموا النصارى بصوم جمعة فى كل سنة عنه على مر الزمان. فمال إلى قولهم وأوقع باليهود وقيعة شنعاء أبادهم جميعهم فيها، حتى لم يبق فى ممالك الروم بمصر والشام منهم إلا من فرَّ واختفى.

وبهذه الرواية يعلم ما وصل إليه اليهود والنصارى من القسوة والاستهانة بحياة الإنسان. فهل يمكن لطائفة منهم أن تؤدى الحق والعدل والسلام ، وتسعد البشرية تحت حكمها؟ لا.

فى القرن الخامس الميلادى أغرى (برصوما) - أسقف نسطورى – ملك الفرس بتدبير اضطهاد عنيف للكنيسة الأرثوذكسية ويقال: إن عدداً يبلغ 7800 من رجال الكنيسة الأرثوذكسية مع عدد ضخم من العلمانيين قد ذبحوا بناء على وصية هذا الأسقف .. وتمت محاولة أخرى أعدم فيها الألوف من أبناء هذه الطائفة أيضاً بتحريض أحد اليعاقبة الذى أقنع ملك الفرس بتنفيذ هذه المذبحة.

أما فى مصر فقد قتل أيضاً حوالى 000 100 مائة ألف مصرى لرفضهم اعتناق مذهب الدولة الرومانية التى حاولت فرضه على مسيحيى مصر.

وكان على رأس هؤلاء المعذبين أخو بنيامين الذى جردوه من ملابسه ثم أضجعوه على لوح من المعدن الرقيق وأوقدوا الشموع تحته حتى ذاب شحم جسمه ثم قذفوه بعد ذلك فى المياه المالحة إمعانا فى العذاب.

وفى كتاب من تأليف المطران برتولومي دي لاس كازاس. ترجمة سميرة عزمي الزين. من منشورات المعهد الدولي للدراسات الإنسانية يقول : ولد ( برتولومي دي لاس كازاس ) عام 1474 م في قشتالة الأسبانية , من أسرة اشتهرت بالتجارة البحرية. وكان والده قد رافق كولومبوس في رحلته الثانية إلى العالم الجديد عام 1493 م أي في السنة التالية لسقوط غرناطة وسقوط الأقنعة عن وجوه الملوك الأسبان والكنيسة الغربية. كذلك فقد عاد أبوه مع كولومبوس بصحبة عبد هندي فتعرف برتولومي على هذا العبد القادم من بلاد الهند الجديدة. بذلك بدأت قصته مع بلاد الهند وأهلها وهو ما يزال صبيا في قشتاله يشاهد ما يرتكبه الأسبان من فضائع بالمسلمين وما يريقونه من دمهم وإنسانيتهم في العالم الجديد.

كانوا يسمون المجازر عقابا وتأديبا لبسط الهيبة وترويع الناس, كانت سياسة الاجتياح المسيحي : أول ما يفعلونه عندما يدخلون قرية أو مدينة هو ارتكاب مجزرة مخيفة فيها.. مجزرة ترتجف منها أوصال هذه النعاج المرهفة).

وإنه كثيرا ما كان يصف لك القاتل والمبشر في مشهد واحد فلا تعرف مما تحزن: أمن مشهد القاتل وهو يذبح ضحيته أو يحرقها أو يطعمها للكلاب , أم من مشهد المبشر الذي تراه خائفا من أن تلفظ الضحية أنفاسها قبل أن يتكرم عليها بالعماد ، فيركض إليها لاهثا يجرجر أذيال جبته وغلاظته وثقل دمه لينصرها بعد أن نضج جسدها بالنار أو اغتسلت بدمها , أو التهمت الكلاب نصف أحشائها.
إن العقل الجسور والخيال الجموح ليعجزان عن الفهم والإحاطة , فإبادة عشرات الملايين من البشر في فترة لا تتجاوز الخمسين سنة هول لم تأت به كوارث الطبيعة. ثم إن كوارث الطبيعة تقتل بطريقة واحدة . أما المسيحيون الأسبان فكانوا يتفننون ويبتدعون ويتسلون بعذاب البشر وقتلهم . كانوا يجرون الرضيع من بين يدي أمه ويلوحون به في الهواء, ثم يخبطون رأسه بالصخر أو بجذوع الشجر , أو يقذفون به إلى أبعد ما يستطيعون. وإذا جاعت كلابهم قطعوا لها أطراف أول طفل هندي يلقونه , ورموه إلى أشداقها ثم أتبعوها بباقي الجسد. وكانوا يقتلون الطفل ويشوونه من أجل أن يأكلوا لحم كفيه وقدميه قائلين : أنها أشهى لحم الإنسان.

رأى لاس كازاس كل ذلك بعينيه , وأرسل الرسائل المتعددة إلى ملك أسبانيا يستعطفه ويسترحمه ويطالبه بوقف عذاب هؤلاء البشر. وكانت آذان الملك الأسباني لا تسمع إلا رنين الذهب. ولماذا يشفق الملك على بشر تفصله عنهم آلاف الأميال من بحر الظلمات ما دامت جرائم عسكره ورهبانه في داخل أسبانيا لا تقل فظاعة عن جرائم عسكره ورهبانه في العالم الجديد؟ كان الأسبان باسم الدين المسيحي الذي يبرأ منه المسيح عليه السلام , يسفكون دم الأندلسيين المسلمين الذين ألقوا سلاحهم وتجردوا من وسائل الدفاع عن حياتهم وحرماتهم. وكان تنكيلهم بهم لا يقل وحشية عن تنكيلهم بهنود العالم الجديد. لقد ظلوا يسومون المسلمين أنواع العذاب والتنكيل والقهر والفتك طوال مائة سنة فلم يبق من الملايين الثلاثة الثلاثين (حسبما ذكر الكتاب) مسلم واحد , كما ساموا الهنود تعذيبا وفتكا واستأصلوهم من الوجود. كانت محاكم التفتيش التي تطارد المسلمين وتفتك بهم , ورجال التبشير الذين يطاردون الهنود ويفتكون بهم من طينة واحدة.

إن أحدا لا يعلم كم عدد الهنود الذين أبادهم الأسبان المسيحيين , ثمة من يقول انه مائتا مليون, ومنهم من يقول انهم أكثر . أما لاس كازاس فيعتقد أنهم مليار من البشر , ومهما كان الرقم فقد كانت تنبض بحياتهم قارة أكبر من أوروبا بسبعة عشر مرة , وها قد صاروا الآن أثرا بعد عين.

أما المسيحيون فقد عاقبوا المسلمين من الهنود بمذابح لم تعرف في تاريخ الشعوب. كانوا يدخلون على القرى فلا يتركون طفلا أو حاملا أو امرأة تلد إلا ويبقرون بطونهم ويقطعون أوصالهم كما يقطعون الخراف في الحظيرة. وكانوا يراهنون على من يشق رجلا بطعنة سكين , أو يقطع رأسه أو يدلق أحشاءه بضربة سيف.

كانوا ينتزعون الرضع من أمهاتهم ويمسكونهم من أقدامهم ويرطمون رؤوسهم بالصخور . أو يلقون بهم في الأنهار ضاحكين ساخرين. وحين يسقط في الماء يقولون: (عجبا انه يختلج). كانوا يسفدون الطفل وأمه بالسيف وينصبون مشانق طويلة ، ينظمونها مجموعة مجموعة , كل مجموعة ثلاث عشر مشنوقا , ثم يشعلون النار ويحرقونهم أحياء . وهناك من كان يربط الأجساد بالقش اليابس ويشعل فيها النار.

كانت فنون التعذيب لديهم أنواعا متنوعة. بعضهم كان يلتقط الأحياء فيقطع أيديهم قطعا ناقصا لتبدو كأنها معلقة بأجسادهم, ثم يقول لهم : (هيا احملوا الرسائل) أي : هيا أذيعوا الخبر بين أولئك الذين هربوا إلى الغابات. أما أسياد الهنود ونبلاؤهم فكانوا يقتلون بأن تصنع لهم مشواة من القضبان يضعون فوقها المذراة, ثم يربط هؤلاء المساكين بها, وتوقد تحتهم نار هادئة من أجل أن يحتضروا ببطء وسط العذاب والألم والأنين.

ولقد شاهدت مرة أربعة من هؤلاء الأسياد فوق المشواة. وبما أنهم يصرخون صراخا شديدا أزعج مفوض الشرطة الأسبانية الذي كان نائما ( أعرف اسمه , بل أعرف أسرته في قشتاله) فقد وضعوا في حلوقهم قطعا من الخشب أخرستهم , ثم أضرموا النار الهادئة تحتهم.

رأيت ذلك بنفسي , ورأيت فظائع ارتكبها المسيحيون أبشع منها. أما الذين هربوا إلى الغابات وذرى الجبال بعيدا عن هذه الوحوش الضارية فقد روض لهم المسيحيون كلابا سلوقية شرسة لحقت بهم, وكانت كلما رأت واحدا منهم انقضت عليه ومزقته وافترسته كما تفترس الخنزير. وحين كان الهنود يقتلون مسيحيا دفاعا عن أنفسهم كان المسيحيون يبيدون مائة منهم لأنهم يعتقدون أن حياة المسيحي بحياة مائة ه

0 Comments:

Post a Comment